الأحد، 27 مارس 2011

المناعة الثورية



بسبب الطريقة الواحدة الغبية التي تستنسخها الأنظمة في مواجهة الثورة المباركة، تشكلت لدى
الشعوب خبرة جيدة في كيفية التعامل مع هذه الأنظمة الفاسدة، التي لاتتورع عن استعمال كافة الوسائل من أجل الإبقاء على نفسها لفترات أطول.

الطريقة في مواجة الثورة كانت واحدة، مما يوحي بأن العقليات الاستبدادية تفكر بطريقة متشابهة مهما اختلفت الظروف، هذا التماثل في التعامل ساهم في بناء وعي ثوري أكسب الشعوب مناعة عالية ضد الألاعيب التي تمارسها الأنظمة في الإلتفاف على مطالب الشعوب، وتنوعت صور وأشكال هذه المناعة:

١- مناعة ضد دعوات الحوار التي تطلقها الأنظمة في الوقت الضائع، فبعد أن تجاهلت شعوبها لعقود طويلة، تسارع الآن لتقديم عروض الحوار بمجرد أنها استشعرت أن الشعوب جادة في تحركاتها.

إن الأنظمة عندما تدعوا للحوار بعد أن تنطلق رصاصة الثورات، فإنها تسعى لكسب الوقت، ولزعزعة صفوف المعارضة عبر الإغواء والإغراء، وللحفاظ على ماتبقى لها من مشروعية في نفوس الناس، لكن ذلك كله لم يعد ينطل على وعي الثوار بحقيقة هذه الدعوات التي فات أوانها.

يقول جين شارب، وهو أحد أهم المنظرين للثورات السلمية: إن عرض السلام من خلال التفاوض مع الحركات الديمقراطية الذي تتقدم به أنظمة الحكم الدكتاتوري هو عرض خدّاع.

ويقول أيضا: عندما تكون المعارضة قوية، ويكون النظام الدكتاتوري فعلا مهددا، نجد أن الحكام الدكتاتوريين يسعون وراء التفاوض لكي ينقذوا أكبر جزء من الثروة التي لازالت بين أيديهم... وعندما تكون الدعوة أيضا إلى المفوضات في وقت تكون فيه قضايا الحريات السياسية على المحك، فقد تكون هذه الدعوة محاولة من الحكام الدكتاتوريين لجر الحركات الديمقراطية نحو الاستسلام بطريقة سلمية، بينما يستمر العنف لديهم.

تحدث المؤلف بشكل مسهب، وفي فصل كامل عن (مخاطر التفاوض)، فبالإمكان الرجوع إليه في كتابه (من الدكتاتورية إلى الديمقراطية.. إطار تصوري للتحرر) ص٢٥ إلى ص٣٣


٢- صار ت هناك مناعة ضد الخطاب الديني المزوّر، الذي استمرأ التبرير للطغيان، ومصادرة حقوق الناس تحت ذرائع يغلفها بغلاف الشريعة، فيسكت عن ظلم الظالمين، ويمنع المظلومين أبسط صور المعارضة.

بحمد الله تم الشعوب تجاوز هذا الخطاب بعد أن تكشّف وتعرى، ولم يعد يملك مايستر به عورته، فلم يعد مثل هذا الخطاب يقف حائلا بين الشعوب وبينها حقوقها التي كفلتها القانين السماوية قبل الأرضية.
وقد أسهبت في تناول زيف هذا الخطاب على هذا الرابط: هنا وهنا أيضا


٣- تشكلت أيضا مناعة قوية في مواجهة الإعلام الحكومي الذي هو في حقيقته لايمثل الدولة بكل مكوناتها بقدر مايمثل الأنظمة الحاكمة، التي استغلته لضرب كل من يعارض النظام ، بأساليب غير أخلاقية.
هذا الإعلام الذي امتهن التضليل والتزييف، والتلاعب بالحقائق صار مثار سخرية الناس وتندرهم، فلم تعد له أي مصداقية أو اعتبار في وعي الجماهير .

٤- صارت عند الثوار منعة قوية ضد الاتهام بالعمالة، هذه التهمة التي استعملتها كل الأنظمة المتساقطة لضرب مصداقية المتظاهرين، الذين أيقنوا أن هذه الأنظمة ما كان لها أن تستمر هذه السنوات الطويلة لو لم تكن هذه التهمة ثابتة عليها، وصار يصدق عليها المثل العربي: رمتني بدائها وانسلت !

٥- تشكلت عند الشعوب مناعة قوية ضد الحلول الترقيعية التي تلجأ إليها هذا الأنظمة بعد أن تشعر بأن الشعب تحركت بجدية لإسقاط تلك العروش المتهالكة، حيث تقوم الأنظمة في هذه الحالة بتقديم بعض التنازلات كإطلاق المعتقلين، وزيادات شكلية في هامش الحريات، وتوزيع مايسمى بالمكرمات المالية، وتوفير فرص وظيفية.. إلخ
مثل هذه الإجراءات لم تعد تمثل للشعوب شيئا - رغم حاجتهم لها - بعد أن أدركوا أنها تمثل نوعا من التخدير، وأن المشكلة تكمن في الرأس الذي يجب أن يُستأصل !

هذه المناعة التي تمثل جرعة لا يستهان بها من الوعي هي أحد حسنات تلك الثورات المباركة.. فإلى المزيد



- Posted using BlogPress from my iPad

هناك تعليق واحد:

  1. أحسنت أستاذ علي ، أنت على ثغر كبير ، فواصل دربك مسددا ، إن من أكثر ما يحتاجه الناس اليوم ، هو خطاب شرعي علمي يزيل اللبس عن عقولهم والران عن بصائرهم حتى يدركوا ما ذا عليهم لله من القيام بالحق ، ولا تبقى النصوص الشرعية أكبالا تعيقهم عن التحرك باتجاه حياة أفضل ، وما جاء الدين ليخدر الناس !

    ردحذف