الخميس، 26 ديسمبر 2013

تركيا.. وبكائيات العلمانيين العرب (2)



للاطلاع على الجزء الأول: تركيا.. وبكائيات العلمانيين العرب: إضغط هنا


تأتي الاستقالات التي تقدم بها ثلاثة من الوزراء في حكومة أردوغان في سياق الأزمة السياسية التي تعصف بتركيا هذه الأيام، والتي فجّرها الصراع بين أردوغان وحلفائه السابقين من جماعة "فتح الله كولن" الدينية ذات الميول الصوفية، بعد أن أوقف أردوغان دعم المدارس الخاصة التابعة للجماعة..

أسفرت هذه الأزمة عن اتهامات بـ "فضائح فساد" طالت أقارب وزراء في حكومة أردوغان، وألقي القبض على بعضهم من قبل الأجهزة الأمنية التي تحظى جماعة "كولن" بنفوذ واسع فيها.

بطبيعة الحال فإن فضائح الفساد التي تطال المسؤولين تحصل في العديد من الحكومات في الأنظمة الديمقراطية المستقرة، والتي تحمل قدرا عاليا من الشفافية، وهذا لا يقلل من خطورة الفساد، أو يعد مبررا له، ولكن ما يبعث على الطمأنينة أن مثل هذه التهم عندما تكون في إطار أنظمة مستقرة وذات شفافية، وقضاء يحظى باحترام وثقة الجميع، وفإنه يتم معالجتها من خلال مسارين:

الأول: المسار القضائي حيث يتم التحقيق بنزاهة وشفافية، ثم يصدر الحكم القضائي الذي يطمئن له الجميع.

الثاني: المسار السياسي، ويتمثل في مدى اقتناع الرأي العام بتهم الفساد، وهل يستمر في منح الثقة عبر صناديق الاقتراع لمن وُجهت لهم تلك التهم؟

من خلال هذين المسارين يمكن التعامل مع القضايا التي تعصف بالساحة التركية، بعيدا عن تهويل العلمانيين العرب، الذين يتعاملون معها بنفسية المَوْتور [الموتور هو من قُتل له قريب ولم يستطع الأخذ بثأره] وأيضا بعيدا عن التهوين الذي يقوم به بعض المبالغين في الحماس للتجربة التركية، كما لا ينبغي استبعاد سياق تصفية الحسابات، والخصومات السياسية والفكرية التي تحكم وتحرك المشهد برمته.

ليست المصيبة الكبرى في مجرد وقوع الفساد من أي طرف سياسي، لكن المصيبة الأكبر هو في غض الطرف عن الفساد، والتستر عليه، وعدم إفساح المجال للمسارين القانون والسياسي لكي يأخذا حاصلهما في العمل، ولعل بوادر التعامل الجيد مع تهم الفساد تجلت في تصريح الرئيس عبدالله غل حيث قال: لن تجري التغطية على أي فساد في تركيا، وقيام وزراء بتقديم إستقالاتهم، بالإضافة إلى التعديل الوزاري الذي قام به رئيس الوزراء يوم أمس، والذي أكد بأنه لن يتسامح في قضايا الفساد، لأن غض الطرف عنها يعني هدم المبادئ التي من أجلها قام الحزب.

تقع ردود الأفعال تلك في خانة "التصرفات المسؤولة" من قِبل الحكومة التركية، وتعتبر تفاعلا جيدا مع الحدث، ويبقى الأمر الآن في عهدة  القضاء ليقول كلمته في المتهمين، وعند الرأي العام التركي ليقول كلمته في من يدير هذه الحكومة، وفي جميع الأحوال ستكون هذه الأزمة بكل تداعياتها رصيدا في يصب في صالح تجربة حزب الحرية والعدالة ذي الجذور الإسلامية!

نعود إلى لعلمانيين العرب الذين وجدوا في هذه الأزمة فرصة كي يستعرضوا مركبات النقص التي يعانون منها، وبالتالي فلن يلتفتوا إلى أي إجراءات تمت –أو ستتم- في التعامل مع هذه الأزمة، ولن يقفوا عند أي أبعاد أخرى للقضية، فالمسألة بالنسبة لهم هي: تهم تمثل صيدا سمينا، فيجب استغلالها بأقصى ما يمكن للتشهير بحكومة أردوغان، وتلويث تجربته، ولا يهم أي شيء آخر!


وعين الرضى عن كل عيب كليلةٌ *** كما أن عين السخط تبدي المساويا


الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

تركيا.. وبكائيات العلمانيين العرب!



يتلقى العلمانيون العرب (قوميون، يسار، ليبراليون...) أي خبر سلبي عن تركيا بالتصفيق والتهليل ويطيرون به في الآفاق، كنوع من تعزية النفس، بعد فشل العديد من تجاربهم في الدول العربية والإسلامية، وأصبحوا يعانون من عزلة شعبية، حيث لم يستطيعوا الوصول إلى مراكز القرار إلا عن طريق دبابات العسكر، أو في ظل حكومات استبدادية أو عشائرية، نتيجة فشلهم في الحصول على الثقة الشعبية في العديد من اختبارات الصناديق، لذلك فإنهم يتعاملون مع أي إخفاق لحكومة أردوغان –ذات الجذور الإسلامية- بحفاوة عالية!


لا شك أن حكومة أردوغان – ذات الخلفية الإسلامية- استطاعت أن تنقل تركيا نقلات نوعية على مستوى العديد من الأصعدة داخليا وخارجيا، فقد عززت من الاقتصاد التركي، وقفزت بمستوى دخل المواطن قفزات كبيرة، كما استطاعت أن تجعل من تركيا رقما صعبا في المعادلة الدولية، ولاعبا رئيسيا في ساحة المجتمع الدولي، إضافة إلى ذلك عززت هويتها الإسلامية  -ولعل هذا أكثر ما أزعج العلمانيين- وتصالحت مع الثقافة العربية، بعد أن كان غاية  طموحها أن تكون في ذيل أوربا، كما أنها حجّمت دور العسكر في الحياة السياسية التركية، والذي كان حاميا للعلمانية المتوحشة التي ظلت تحكم تركيا لعقود، والذي يبدو أنه لم تثِر حفيظة العلمانيين العرب!


هذه الحقائق من الصعب تجاوزها او تهميشها، ولا شك أنها تصب في صالح حكومة أردوغان، ولا ينكرها إلا مكابر، كما يفعل العديد من العلمانيين العرب اليوم، عبر تباكيهم في أي أزمة تمر بتركيا، والسعي لشيطنة الحكومة التركية من خلال هذه الأزمات!

حكومة أردوغان ليست هي الجنة الموعودة، ولا يصح التعامل معها على أنها الخير المطلق، ولا يمكن إنكار إخفاقها في لديها العديد من الملفات، لكن من التضليل الواضح أن نجعل هذه الإخفاقات هي واجهة التجربة السياسية لحكومة أردوغان، وإنما الموضوعية والإنصاف تجعلنا نقيم التجربة من خلال أسئلة محددة، مثل:


- كيف كانت تركيا قبل حكم حزب العدالة والتنمية على الصعيد السياسي  الدخلي،والاقتصاد، والسياسة الخارجية؟


-   أين وصلت تركيا بعد حكم العدالة والتنمية في تلك الأصعدة ؟


-    ماهي أبرز التحديات التي كانت توجه الحزب عند تسلمه للسلطة؟


- هل استطاع التغلب على تلك التحديات؟


نستطيع من خلال الأسئلة الدقيقة أثناء التقييم أن نكون أقرب للموضوعية في الحكم على التجربة، كما أن مثل هذه الأسئلة تقطع الطريق على العلمانيين العرب الذين يصنعون من كل أزمة تركية "بكائيات" يسترون من خلالها فشلهم وخيبتهم!




وللحديث بقية


الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

زكاة الفطر نقدا




في مثل هذه الأيام من كل عام تثور نزاعات فقهية حول مسألة "حكم إخزاج زكاة الفط نقدا" وليس عيبا أن تكون هناك اختلافات فقهية، لكن المحزن أن تتحول تلك الاختلافات إلى مادة للصراع، والقطيعة، وتبادل الاتهامات، والتشكيك في النوايا، والخروج عن أدب الخلاف العلمي الذي يتسم به الراسخون في العلم، الذين يجسدون مقولة "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"

لذلك فإن هناك العديد من المسائل الفقهية لا يمكن حمل الناس فيها على قول واحد، وأحسب أن الخلاف حولها سيستمر إلي قيام الساعة، فقد بسط كل فريق أدلته، ورد على أدلة الطرف المخالف، وتبادلوا الردود حول وجه الدلالة في كل دليل، وأخذت المسألة حاصلها من النقاش، وبقي كل فريق علي رأيه، فما العمل بعد ذلك؟

لا بديل عن القبول بمثل هذا الخلاف، وتقبل المخالفين، وبإذن الله سيكون الفريقان ما بين الأجر والأجرين بعد أن استفرغوا وسعهم في معرفة مراد الله عزوجل، وكانوا أهلا لذلك، فإنهم لا يأثمون بهذا الاجتهاد، بل هم بين أجر وأجرين، فلا تأثيم في مسائل الاجتهاد، و لا تهاجر بين المؤمنين.. كما قال ابن تيمية

وبهذه المناسبة أرسل لي أخي الشيخ يوسف المهينيي @almaheni وهو باحث دكتوراة في السنة النبوية مقالا مختصرا في هذه المسألة يشرفني أن أضعه بين أيديكم هنا..:





سأتكلم عن مسألة يدور حولها الجدل في كل رمضان عن حكم إخراج زكاة الفطر نقداً فأقول مستعيناً بالله في المسألة قولان :

 القول الأول : هو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة بأنه لا يجوز إخراجها نقداً لـ :
 
1- ما ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : "كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من إقط أو من زبيب" متفق عليه.

2- قالوا رسول الله حددها وبينها والعدول عن الأصناف المذكورة عدول عن المنصوص.

3- كذلك الخروج عن الأصناف المذكورة فيه مخالفة لفعل الرسول وصحابته الكرام من كونها شعيرة ظاهرة إلى شعيرة خفية.
 


القول الثاني : هو قول الحنفية ورواية عن الإمام أحمد من جواز إخراجها نقداَ لـ :
 
1- قول الله تعالى : "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها"، قالوا الآية عامة تعم كل أصناف الزكاة والصدقات" رواه البيهقي.

2- حديث ابن عباس قال قال رسول الله : "أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم"، قالوا فالمقصود منها حصول الإغناء سواءً كان بالطعام أو بالمال.

3- قالوا أما تحديد الأصناف الواردة في الحديث بأنها من باب التيسير على المزكي وليست من باب بيان أن الزكاة الفطر لا تصح إلا بها.


 
تحرير محل النزاع يكون فيما يأتي :
 
1- لماذا لم يأمر الرسول بإخراجها نقداً؟

الجواب : لأن الأموال لم تكن متوفرة في زمنه صلى الله عليه وسلم، فكان الناس يبيعون ويشترون بما يعرف "بالمقايضة" وغيره، لذا أعرض الرسول عن ذكر القيمة وذكر الميسور.
 
خذ على سبيل المثال الرواتب في ذلك الزمان لم تكن مالاً فأبوبكر رضي الله عنه كان راتبه نصف شاه في كل يوم، وعلي بن أبي طالب عمل عند إمرأة بمرتب تمرة مقابل كل دلو يسحبه لها من البئر فتأمل.



2- المال اليوم هو الأحض والأنفع والمطلوب للفقراء، لذا قال رسول الله أغنوهم عن السؤال وهو حاصل بالمال قطعاَ.



3- أما قول الجمهور بأن إخراجها نقداً خروج عن المنصوص فأنتم كذلك قد خرجتم عليه وفهمتم من الأصناف المذكور بأنها غالب قوت البلد، وهذا ليس من النص بل هو فهم عن النص، فالرز الذي نخرجه اليوم في زكاة الفطرة لم يكن معروفاً في عهد رسول الله بل عرفه الصحابة في فتح فارس في عهد الفاروق عمر.



4- أما ما يحصل اليوم بأن نشتري الرز بقيمة 10 دنانير ونعطيها الفقير فيبيعها على التاجر بـ 8 دنانير فهذا من العبث والإضرار في حق الفقير الذي لا تقره قواعد الشرع ومقاصده.



جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر ذهب إليه : الحسن البصري وعمر بن عبد العزيز، وهو مذهب الثوري وأبي حنيفة وأبي يوسف  ورواية عند أحمد وإليه ذهب ابن تيمية.

أخيراً الذي أطمئن إليه بعد كل ما تقدم هو إخراجها نقداً لأنه الأحض للفقير وفيه حفظ لحقه من العبث

والله أعلى وأعلم.

الخميس، 25 يوليو 2013

مقال ممنوع!



د. وائل قنديل المتحدث الرسمي السابق لحزب الدستور الذي يرأسه البرادعي، ومدير تحرير جريدة الشروق المصرية  يكتب مقالا  يهاجم فيه الإنقلاب، ويفضح سلوك الإنقلابيين، فيتم منع المقال من النشر بالأمر العسكري.. 

وقد  اعربت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان اليوم,عن اسفها الشديد لقيام جريدة “الشروق” المصرية  بمنع نشر مقال قنديل  في عدد اليوم ، واعتبرته خطأ كبيرا لم يعتده القراء من أحد أهم الجرائد المصرية التي تمتعت بمصداقية كبير، ينبغي اصلاحه حفاظا على المهنية والمصداقية.

لا أدري كيف يفكر الرقيب في هذا العصر؟!

ففي ظل الفضاء المفتوح، والقدرة اللامحدودة على التواصل والاتصال، وتوفر الإعلام البديل، ووسائل التواصل الاجتماعي، يصبح منع مقال من النشر أشبه بالحرث في الماء، فبجرد منع المقال من النشر في الصحيفة، تم تداوله بشكل رهيب في الانترنت، و وسائل التواصل والاتصال، وربما أصبح عدد قارئيه أضعاف ما لو تم نشره في الصحيفة.. !


..إلى المقال..
----------------------------------------------------------------

قالوا فى تسويغ الانقلاب إنه لإنقاذ البلاد من جحيم الحرب الأهلية، لكنهم بعد أيام قلائل كانوا يغذون ماكينة الاحتراب المجتمعى بكميات خرافية من الوقود المحمول فوق خطاب عنصرى يتفوق فى بشاعته على المكارثية الأمريكية فى الخمسينيات.

زعموا أنهم ينقلبون على أول رئيس منتخب فى تاريخ مصر من أجل حقن الدماء وحماية الأرواح، لكنهم فى غضون أيام حصدوا أرواحا أكثر مما خسرته مصر فى عام كامل، والأكثر بشاعة أن القتل الآن صار على الهوية وعلى اللحية والنقاب، تحت مظلة من التحريض والتبرير والتفرقة العنصرية بين دم ودم.

إن مصر تعيش الآن حالة عنصرية شوفينية بامتياز، تجعلنا قريبين للغاية من قيم الهولوكوست والتطهير العرقى، بعد أن انتقلنا من شوفينية سياسية تقوم على استباحة المختلفين واستئصالهم وإزاحتهم من المشهد السياسى، إلى عنصرية مجتمعية متعصبة تضخ خطابا ينفى المواطنة والإنسانية عن قطاعات واسعة من المصريين، ويضعها فى مرتبة الأعداء يجب إبادتهم واجتثاثهم.


إنها تلك اللعبة غير الأخلاقية التى تقوم على صناعة عدو تلصق به كل الشرور والآثام، وتعلق عليه الأخطاء والكوارث السابقة والحالية، باختصار يتم تصويره فى حالة شيطانية كاملة، لكى ينعم من عداه بحالة ملائكية مزيفة، تفتح المجال للفسدة والمطبعين والمجرمين لكى يغسلوا تاريخهم ويداروا سوءاتهم ويدفنوا فضائحهم وجرائمهم.


إن ما يجرى من استباحة لدماء المصريين واسترخاص حياتهم وامتهان حقوقهم كموتى بعد قتلهم، ليس له تعريف سوى أنه ردة حضارية عنيفة وانسلاخ من قيم تجسد الحد الأدنى من الفطرة الإنسانية السوية.


لقد نجح الانقلابيون فى استدعاء الجزء المعتم من الوجود الإنسانى، وإطلاق أسوأ ما فى الشخصية المصرية من نوازع وحشية، بحيث صار المجتمع يمور برغبات الانتقام والتلذذ بالدماء، واستعذاب التضليل والتزييف وقلب الحقائق، لينعم المجرم بإجرامه، ويساق الضحايا إلى الجحيم.


ومن لا يرى فيما جرى للمعتصمين فى ميدانى نهضة مصر ورابعة العدوية جرائم ضد الإنسانية، فليمنح نفسه فرصة صغيرة للاختلاء بضميره لدقائق معدودة، ليدرك أن هناك رعاية رسمية للمكارثية والعنصرية على الطريقة المصرية.


السبت، 20 يوليو 2013

التجربة الإسلامية.. فشل أم إفشال؟!

بعد أحداث مصر الأخيرة، بدأ بعض الكتاب بمحاولة تقييم تجربة الإسلاميين في العالم العربي مع السلطة، وبعد محاولة التقييم يكون الميل إلى الحكم على تجربتهم بالفشل، فلا يوجد حركة إسلامية عربية استطاعت أن تعطي نموذجا مُعتبرا للمشروع الإسلامي في إدارة السلطة!


من الضروري قبل الحكم على التجارب بالفشل أن نفرق بين الفشل والإفشال.. فالفشل يكون عندما يُعطى للتجربة حاصلها الزمني من العمل في الفضاء السياسي، ثم يتم تقييمها بشكل موضوعي بعد فترة زمنية كافية، وقياس نسبة النجاح والفشل في الأداء وفقا للمعطيات على أرض الواقع، عند ذلك يمكن الحكم عليها بالفشل، أما عندما يتم التربص بالتجربة، ومواجهتها بأساليب غير أخلاقية، والعمل على الإطاحة بها بشتى الوسائل الشرعية وغير الشرعية، كاختلاق الأكاذيب حولها، وشن حملات إعلامية قذرة لتشويهها، ثم يتوج كل ذلك بتدخل عسكري إنقلابي، فلا يمكن الحكم على التجربة بالفشل، وإنما هذا تعمد إفشال مع سبق الإصرار والترصد!


نعم.. ليس من واجب خصوم الإسلاميين أن يمهدوا الطريق لنجاح التجربة الإسلامية، بل إن من حقهم أن يَبقوا على خصومتهم، ومن حقهم أن يتصدوا لمشروع خصومهم، كما أن من واجب الإسلاميين أن يكونوا مستعدين للعامل مع مختلف التحديات التي تواجه تجربتهم، لكن يُفترض في الخصومة أن تكون في إطار اللعبة السياسية، مع المحافظة –على الأقل- على الحد الأدنى من أخلاقيات العمل السياسي.


التجربة الإسلامية هي فعل بشري، ونسبتها إلى "الإسلام" لا يعطيها قداسة ولا عصمة، بل هذه النسبة تعطيها أولوية في النقد والتقييم، وإذا وصل الأمر إلى الحكم عليها بالفشل وفق التقييم الموضوعي، فمن واجب الإسلاميين الاعتراف بذلك، لكن في نفس الوقت فإن من حق الإسلاميين أن يُعطَوا الفرصة الحقيقية التي تُعطى لأي حزب في النظام الديمقراطي، وأن تتم مواجهتهم بأدوات اللعبة الديمقراطية، أما أن يتم اللجوء إلى التخوين، والافتراء الصريح، والعبث بمصالح المواطن البسيط من أجل تأليبه على الإسلاميين، والاستقواء بعناصر خارجية، ثم التحالف مع العسكر، فإن كل ذلك لا يمت إلى العمل السياسي الديمقراطي والأخلاقي بصلة، ولا يعطي أي مبرر للحكم على التجربة بالفشل!


أخيرا.. كثيرا ما كان يتخوف خصوم المشروع الإسلامي من أن ينقلب الإسلاميون على الديمقراطية بمجرد وصولهم للسلطة، لكن الواقع والتاريخ أثبتا أن مَن كان يطرح تلك المخاوف هو الذي انقلب على الديمقراطية واستعان بالعسكر، أو برر تلك الاستعانة، عندما وصل الإسلاميون للسلطة بخيار شعبي حر.. ولله في خلقه شؤون!

السبت، 13 يوليو 2013

ظاهرة الـ "ناشط سياسي"


"ناشط سياسي" مصطلح بدأ بالانتشار، وصار يُستعمل في نطاق واسع في وسائل الإعلام، ويُطلق بكثرة على كل مهتم بالشأن العام، أو كل من له موقف من قضية سياسية، أو شارك في الفعاليات والأنشطة السياسية! 


نعم.. البعض ينزعج من هذا اللقب - أنا شخصيا أتحسس منه – فهو وصف غير منضبط، وأصبح أشبه بوظيفة مَن لا وظيفة له، وصار يُعطى لمن شاء دون حسيب أو رقيب، ولمن يستحق ومن لا يستحق، وهذا ما جعل الكثير من الذين منحوا أنفسهم هذا اللقب يتصدرون المشهد السياسي، ووسائل الإعلام، دون أن يكون لهم رصيد حقيقي من العمل السياسي ، أو يكون لهم الوعي الكافي، والدراية المعتبرة بالواقع وأصول اللعبة السياسية.


وبالتوازي مع هذه الظاهرة هناك ظاهرة أخرى صاحبت الأحداث في الكويت، وهي كثرة ظهور الحركات السياسية، والتي تظهر بعضها فجأة، ثم تختفي فجأة، دون أن نعرف لماذا ظهرت، ولماذا اختفت؟! ودون معرفة مَن هي قاعدتها الحقيقية، وما هو ثقلها في الواقع، وما هو برنامجها السياسي!


قبل تناول هذه الظاهرة بالتحليل، أظن بأن من البدهي الإشارة إلى أن حق العمل وممارسة النشاط السياسي، وحق إبداء الآراء السياسية مكفول للجميع، ولا ينبغي أن يكون ذلك محل نزاع أو اختلاف، ولكن هذه لا يعني عدم نقد ممارسة ذلك الحق، أو ترشيده وتوجيهه إلى المسار الذي يُفترض أن يسير فيه.


ربما يعتقد البعض بأن الممارسة التي أفرزت لنا ظاهرة "الناشط السياسي" أو كثرة الحركات السياسية الشكلية، تمثل شكلا من أشكال الفوضى، وعدم الانضباط، وخروجا عن أصول وقواعد العمل السياسي الحقيقي، وبصرف النظر عن صواب أو خطأ هذا الاعتقاد يجب أن نعرف ما هي الأسباب التي أفرزت هذه الظاهرة الملفتة للنظر؟!باعتقادي أن هناك عدة أسباب لهذه الظاهرة، منها:


أولا: وجود شعور عام بدأ يتسلل عند شريحة كبيرة من أبناء المجتمع بأن السلطة التي تدير شأن البلد أصبحت عاجزة عن الإدارة بشكل سليم، وأن استمرارها على هذا النهج سيقود بالبلد نحو الهاوية، هذا الاعتقاد جعل عددا كبيرا من الناس يدخلون إلى المعترك السياسي، كمحاولة لإنقاذ الوضع، والتنبيه إلى مكامن الخلل، والتحذير من الوصول إلى مرحلة الإنهيار، فدخول هذا العدد الكبير من الناس إلى الساحة السياسية هو مؤشر على عدم شعورهم بالأمان على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، فلو كانت الإدارة السياسية في البلد تسير بشكل سليم وآمن، لما غصت الساحة السياسية بهذا العدد من الناشطين والحركات السياسية.


ثانيا: عدم وجود قوانين تنظم الحياة السياسية، فالساحة السياسية لا تحتمل الفراغ، فإن لم تكن هناك قوانين منظِّمة للعمل السياسي فإن البديل هو الفوضى، فلو كانت هناك قانون لتنظيم الحياة السياسية على شكل أحزاب أو جمعيات سياسية تكون هي المحضن لأي ناشط أو نشاط سياسي، وتَشترِط لتأسيس التجمع السياسي عددا معينا من المؤسسين (لا يقل عن 300 شخص مثلا) وتشترط إعلان الأهداف والبرامج، ووجود هيكل تنظيمي معلن، وتقديم تقارير إدارية ومالية بشكل دوري، فلو حصل كل ذلك لما وجدنا كثرة ما يسمى بـ "ناشط سياسي" أو حركات سياسية شكلية ليس لها أي ثقل حقيقي.


ثالثا: أن أكثر التيارات السياسية التقليدية أصبحت تعاني من الشيخوخة والتكلس، وانتقلت إليها الأمراض الحكومية، ولم تعد مصدر جذب لأي شخص لديه رغبة في ممارسة العمل السياسي، ولم تعد تلبي طموح الشباب، أو ترتقي إلى مستوى مطالباته.


أخيرا.. إن التذمر من كثرة وجود الحركات السياسية، وانتشار ظاهرة "ناشط سياسي" دون معرفة جذور الظاهرة، وتحليلها بشكل سليم، سيجعلنا ندور في حلقة مفرغة من التذمر، قد تستغلها السلطة لتشويه ومصادرة حق العمل السياسي..