الجمعة، 18 مارس 2011

الصعقة الثورية.. وآثارها الجانبية




جزى الله الثورات العربية كل خير، فقد كانت بمثابة الصعقة الكهربائة التي تعطى لقلب المريض بعد أن يقف عن النبض.

لقد جاءت الصعقات الثورية لكي تبث الحياة في الجسد العربي، بعد أن كان يتعفن بسبب التقرحات السريرية التي تسببتها الفترة الطويلة التي كان خلالها طريح الفراش، والأمراض تنهش جسده من كل جانب.

لقد جاءت هذه الصعقات لكي تفيقه من غفلة الوعي التي زينت له الرضى بالظلم، والسكوت عن الإذلال، وشرعنة الاستبداد، والسير في ركاب المستبدين.

مايجب إدراكه جيدا -حتى لانقع في اليأس- أن الإفاقة من الغيبوبة لا تعني كمال الصحة والعافية، بل تعني أن المريض قد تقدم خطوة إلى الأمام في طريق العلاج، وما زالت أمامه خطوات كثيرة، قد تكون أكثر صعوبة من الخطوة التي سبقت، لذلك تحتاج إلى عدة أمور:

١- عدم الجزع من ممايعقب الثورة من اهتزازت مجتمعية، أو اضطرابات أمنية، أو خلخلة في بنية الدولة؛ لأن الثورة -كما قال المستشار طارق البشري- عبارة عن مخاض، والمخاض يصحبه ألم، ويعقبه دم، وهذه طبيعة أي تغيير راديكالي في أي مجتمع.

٢- عدم المبالغة في التخلص من كل ما (ومن) له علاقة بالنظام السابق، الذي أفسد الذمم، ولوّث الأخلاق، وزيّف الوعي، واستعمل في سبيل ذلك الذهب واللهب، لذلك فالأصل هو إعذار الناس، وتفهّم ظروفهم، والأوضاع الاستثنائة التي عاشتها أوطانهم، وأستثني من ذلك المتورطون بقضايا الدماء والأموال، فالذي سفكوا الدم لابد أن يُقتص منهم، والذي سرقوا الأموال والمقدرات لابد وأن يأخذوا جزاءهم، وتُرد الحقوق إلى أهلها.

٣- تقبل الأراء والرؤى التي تختلف في كيفية صياغة الواقع الجديد، والبعد عن الإقصاء والتخوين، وكافة الأساليب التي زرعتها الأنظمة السابقة في نفوس الناس وعقولهم.

٤- الابتعاد عن الأحلام الوردية التي يصوغها الخيال في تصور المرحلة الجديدة، وإدراك أن كون هذه المرحلة أفضل المرحلة السابقة لا يعني أنها خالية من المنغصات والعقبات والهفوات والمشكلات، فالوعي بذلك يمنع من حدوث صدمة شعورية تجعل الإنسان أن ما كان لم يكن .

٥- اشتراك الجميع في صياغة الواقع الجديد، كلٌّ حسب تخصصه، ، كإصلاح العقول والأفكار والتصورات والسلوكيات العامة والنفسيات والمشاعر.. إلخ، وهنا تتراجع مسؤولية السياسيين والقانونيين، ليأتي دور المصلحين الإجتماعيين والدينيين، والمفكرين والمثقفين، والعلماء من شتى التخصصات، ومؤسسات المجتمع المدني، حتى نضمن إصلاحا متكاملا.

ختاما.. أجمل ما في هذه الثورات أن مجرد التفكير فيها وفي طريقة انبعاثها، وتداعيتها، تجعل العقل يخرج من الدائرة المفرغة التي كنا ندور فيها لعقود طويلة..

تحياتي


- Posted using BlogPress from my ipad

هناك 3 تعليقات:

  1. ناصر بدر الصميط18 مارس 2011 في 3:29 ص

    النقاط الخمسة تفتح الافاق وتوسع مجال التفكير وتجعلنا نرى الامور من زوايااخرى
    بوركت

    ردحذف
  2. شيء واحد لا شك فيه: تحركت عربة الديمقراطية ولن تتوقف أبدا".

    ردحذف
  3. تحلـيل راقـي للواقع بدقة

    ردحذف