الأربعاء، 29 أبريل 2009

رئاسة الدولة الإسلامية .. اجتهاد

بسم الله الرحمن الرحيم



أتيحت لي - هذه الأيام - فرصة اللقاء مع عدد من المفكرين في مصر، ومنهم د. محمد سليم العوا( الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين) ، والدكتور محمد عمارة، والمستشار طارق البشري، وكانت اللقاءات عبارة عن جولات في مختلف قضايا الفكر الإسلامي

سألت المستشار طارق البشري على عجل: ما رأيك في تولي غير المسلم منصب رئاسة الدولة الإسلامية؟

فأجابني باقتضاب: إذا لم تكن له الولاية المطلقة، والأمر والنهي الأول، فيمكن أن يكون رئيسا للدولة !!
لكن في اللقاء مع الدكتور محمد عمارة كان تناول هذه القضية بشكل أشمل، حيث كان الحديث عن تولي المرأة، وغير المسلم للولايات العامة في الدولة الإسلامية.



يرى الدكتور عمارة بأن مأسسة الدولة المعاصرة ( أي تحولها إلى دولة مؤسسات) يعطي الفرصة لكل من المرأة لتولي أي منصب، وقال: بأن أول من طرح هذا الرأي هو المستشار طارق البشري في أحد المؤتمرات وكان بحضور الشيخ محمد الغزالي رحمه الله

وقد لاقى هذا الرأي استحسان الشيخ، وقال بأنه اجتهاد جديد حريٌ بالنظر والتأمل.

أقول : ما معنى الكلام السابق؟


الدولة الإسلامية في صورتها التاريخية، كل للخليفة الأمر والنهي في كل القضايا، وكان رأيه نافذا على الجميع، وكان هو من يؤم الناس في الصلاة، ويخرج للجهاد، إلى غير ذلك من الوظائف الكبير، والتي كانت تجعله في كثير من الأحيان يتفرد باتخاذ القرارات المصيرية، أو أن يستشير من حوله بشورى مُعلِمة لا يكون مضطرا للالتزام بنتائجها
في هذه الصورة يصعب تصور أن يكون غير المسلم رئيسا للدولة الإسلامية وكذلك المرأة.. والسبب واضح
أما في ظل الدولة المعاصرة، والقائمة على الفصل التام والواضح بين السلطات، بمعنى أنه لا يوجد طرف ينفرد بالسلطة، وله الأمر والنهي المطلق، وفي ظل السيادة الواضحة للقانون، ووجود اللوائح المنظمة والتي تقلص من سلطات الفرد، فيمكن التفكير بأن تكون المرأة أو غير المسلم على رأس الدولة.
بل إنه حتى في ظل السلطة الواحدة ( السلطة القضائية مثلا) فإن هناك ثلاث درجات للتقاضي، وفي كل درجة يوجد ثلاث قضاة، كما أن القاضي لا يجتهد في حكمه، وإنما هو مطبّق لقوانين منصوص عليها، وهناك درجات التقاضي التي يمكن أن تستدرك على الحكم القضائي .. إلخ من الإجراءات التي تحدّ من صلاحيات الأفراد، وتقلل من تأثير المزاج الشخصي.
وهذا الأمر أيضا ينسحب على سلطات رئيس الدولة ووظيفته في الدولة الحديثة.
إذن فصورة الدولة المعاصرة تختلف إختلافا كليا عن صورة الدولة في شكلها التاريخي
لذلك فإن الحكم الشرعي يتغير مع تغير محلّه، ولتغير العلة التي من أجلها وُجد الحكم السابق..

هذه رؤية لكبار المفكرين الإسلاميين المعاصرين، جديرة بالتأمل، وفتح النقاش حولها.

بعد أن حاورت د. محمد عمارة حول هذه القضية، قال لي: بأن المسألة في النهاية نظرية، إذ لا يمكن تصور أن تكون دولة دستورها إسلامي والأكثرية فيها إسلامية، ولا يوجد في المسلمين كفئ لتولي رئاسة الدولة .. فيتم اختيار غير المسلم !!
لكن من يثير هذه المسالة إنما يثيرها للمشاغبة والمماحكة، ولإحراج الإسلاميين ... لا أكثر .


ومن الله التوفيق


هناك 5 تعليقات:

  1. كانت هذه المسألة محل تساؤل وبحث ونقاش طويل ، وبصراحة أرى بتواضع أمام العلماء الأفاضل الذين أوردت آراؤهم أنهم وفقوا لرأي جدا معتبر أجدني أميل إليه ومستعد للإعلان عنه وما يمنعني إلا رغبتي في الإطلاع على الرأي المخالف بحججه ومنطقه .

    ولعل هذا الموضوع من المواضيع الرئيسية التي منعتي من استكمال موضوعي القديم ( نظام الحكم في الإسلام ) شكرا عزيزي بوسند على هذا الموضوع وتلك الآراء الحصرية .


    ارجع لنا سالم :)

    ردحذف
  2. يعطيك العافية
    وأشكرك على الموضوعية في الطرح لأنه قلما تجد الموضوعية في هذه المواضيع التي هي محل جدل كثير من الناس سواء للمؤيد أو المعارض لكن أتصور أنه في تبني هذه الآراء يكون الواحد منا بين أمرين :
    1. عامل الزمان : فعليه أن يتحرر من أنه كان يفهم هذا الأمر بطريقة خاطئة لمدة سنوات من عمره وتبينت طريقة الفهم السليم لقضية ما فيقف امامه الزمان كيف أفهمه بهذا الطريقة وأنا فاهمه بطريقة أخرى قبل سنوات .....

    فإما يغير طريقته وإما أن يستمر عدد السنوات التي فهم فيها غلط بعناده وهذا إلى أن يشاء الله .

    2. عامل المكان :
    أنه مقتنع في الموضوع لكن الناس من حوله يجعلونه في معركة خاسرة من طرح قناعاته فهم في الجهل مغمورون وأن النقاش مع الجاهل معدوم الفائدة .
    وشكرا وسامحني على الإطالة
    :)

    ردحذف
  3. السلام عليكم

    أخي الطارق .. اليوم التقيتبالأستاذ فهمي هويدي وتناقشت معه في ذات الموضوع وكان رأيه مقارب لكنه أضاف نقطتين .. سأذكرهما لا حقا بإذن الله

    ولك الشكر

    ____________________________________

    أباطيل وأسمال

    شكرا جزيلا على تعليقك القيم جدا، وفعلا هذان العاملان يجب مراعتهما بشدة في هذا الموضوع

    والسلام عليكم

    ردحذف
  4. السلام عليكم

    أقول: على قدر ما يكون الطرح جريء في حداثته، فإن التأصيل يجب أن يكون مساويا له،، وأود إثارة بعض النقاط على عجالة:-

    *اولا:خطأ أن نقول أن الأمير وفق الصورة التاريخية للدولة الإسلامية ينفرد بالسلطة؟!ماذا عن الخلافة الراشدة؟ كيف نقول بالتفرد والأمير يمكن عزله إن حاد؟! وأما عن الفترات الأخرى فلسنا ملزومين بالقياس عليها لأننا لا نقر أسلوبها أصلا، وحتى لو افترضنا جدلا أننا نقر أسلوبها فقد كان دور العلماء تاريخيا في كثير من الدول أقوى من الأمراء، فكيف نقول بالتفرد؟

    *ثانيا: من الناحية النظرية البحتة فإن الأمير يسود ولا يحكم بهدف عدم الطعن فيه، لكن فعليا-وهو المهم- فإن الأمير ذا سلطات واسعة طويلة عريضة فهو من يعين الوزراء ويمارس سلطاته من خلالهم، وهو من يعادل رأيه رأي كل الشعب في مسألة تعديل الدستور الكويتي، بل أكثر من ذلك نص المادة75"للأمير أن يعفو بمرسوم عن العقوبة أو أن يخفضها" وهذا نظام عشائري كانت تستخدمه قبائلنا قبل مئة عام، وهو ما يسمى بحق فك الرقبة :) ، ويسمى بالأردن التي ما زالت تستخدمه فعليا في بعض المناطق"النظام العشائري"، وارجع لنصوص الدستور الكويتي من م54 إلى م78 لترى المواد المتعلقة برئيس الدولة، وليس الأمر مقصور على الدستور الكويتي، فالدساتير العربية مليئة بتلك الأمور، ويجب النظر للمسألة بمنظور واقعي متمعن وليس منظور نظري بحت،، ثم إن افتراضكم بدولة إسلامية يحكمها كافر لا سلطات له ممكن أن يتصور إن كان نظامنا السياسي كاليابان التي يكون فيها الامبراطور مجرد رمز لا سلطات له.

    *ثالثا:قال الله عز وجل:"ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"،، وبعض المفسرين جعل ذلك حتى في الدنيا، ولا شك أن الإمارة سبيل، ولذلك قيل بتحريم بيع العبد المسلم للكافر، كما أن إمارة الكافر تناقض قوله تعالى:"وأنتم الأعلون"، والعبرة بعموم اللفظ.

    شاكر لك طرح تلك المواضيع،، وأهنئك على مقابلة تلك الشخصيات..

    مع تحياتي

    عبدالله- زميلك بالمذهب :)

    ردحذف
  5. السلام عليكم

    الله يهدينا ويهديك مافي خط أصغر من هالخط عميتنا

    والموضوع في رأي الشخصي اتفق مع الدكتور محمد عمارة في السطر الأخير

    وشكرا

    ردحذف