بسم الله الرحمن الرحيم
أتيحت لي - هذه الأيام - فرصة اللقاء مع عدد من المفكرين في مصر، ومنهم د. محمد سليم العوا( الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين) ، والدكتور محمد عمارة، والمستشار طارق البشري، وكانت اللقاءات عبارة عن جولات في مختلف قضايا الفكر الإسلامي
سألت المستشار طارق البشري على عجل: ما رأيك في تولي غير المسلم منصب رئاسة الدولة الإسلامية؟
فأجابني باقتضاب: إذا لم تكن له الولاية المطلقة، والأمر والنهي الأول، فيمكن أن يكون رئيسا للدولة !!
لكن في اللقاء مع الدكتور محمد عمارة كان تناول هذه القضية بشكل أشمل، حيث كان الحديث عن تولي المرأة، وغير المسلم للولايات العامة في الدولة الإسلامية.
يرى الدكتور عمارة بأن مأسسة الدولة المعاصرة ( أي تحولها إلى دولة مؤسسات) يعطي الفرصة لكل من المرأة لتولي أي منصب، وقال: بأن أول من طرح هذا الرأي هو المستشار طارق البشري في أحد المؤتمرات وكان بحضور الشيخ محمد الغزالي رحمه الله
وقد لاقى هذا الرأي استحسان الشيخ، وقال بأنه اجتهاد جديد حريٌ بالنظر والتأمل.
أقول : ما معنى الكلام السابق؟
الدولة الإسلامية في صورتها التاريخية، كل للخليفة الأمر والنهي في كل القضايا، وكان رأيه نافذا على الجميع، وكان هو من يؤم الناس في الصلاة، ويخرج للجهاد، إلى غير ذلك من الوظائف الكبير، والتي كانت تجعله في كثير من الأحيان يتفرد باتخاذ القرارات المصيرية، أو أن يستشير من حوله بشورى مُعلِمة لا يكون مضطرا للالتزام بنتائجها
في هذه الصورة يصعب تصور أن يكون غير المسلم رئيسا للدولة الإسلامية وكذلك المرأة.. والسبب واضح
أما في ظل الدولة المعاصرة، والقائمة على الفصل التام والواضح بين السلطات، بمعنى أنه لا يوجد طرف ينفرد بالسلطة، وله الأمر والنهي المطلق، وفي ظل السيادة الواضحة للقانون، ووجود اللوائح المنظمة والتي تقلص من سلطات الفرد، فيمكن التفكير بأن تكون المرأة أو غير المسلم على رأس الدولة.
بل إنه حتى في ظل السلطة الواحدة ( السلطة القضائية مثلا) فإن هناك ثلاث درجات للتقاضي، وفي كل درجة يوجد ثلاث قضاة، كما أن القاضي لا يجتهد في حكمه، وإنما هو مطبّق لقوانين منصوص عليها، وهناك درجات التقاضي التي يمكن أن تستدرك على الحكم القضائي .. إلخ من الإجراءات التي تحدّ من صلاحيات الأفراد، وتقلل من تأثير المزاج الشخصي.
وهذا الأمر أيضا ينسحب على سلطات رئيس الدولة ووظيفته في الدولة الحديثة.
إذن فصورة الدولة المعاصرة تختلف إختلافا كليا عن صورة الدولة في شكلها التاريخي
لذلك فإن الحكم الشرعي يتغير مع تغير محلّه، ولتغير العلة التي من أجلها وُجد الحكم السابق..
هذه رؤية لكبار المفكرين الإسلاميين المعاصرين، جديرة بالتأمل، وفتح النقاش حولها.
بعد أن حاورت د. محمد عمارة حول هذه القضية، قال لي: بأن المسألة في النهاية نظرية، إذ لا يمكن تصور أن تكون دولة دستورها إسلامي والأكثرية فيها إسلامية، ولا يوجد في المسلمين كفئ لتولي رئاسة الدولة .. فيتم اختيار غير المسلم !!
لكن من يثير هذه المسالة إنما يثيرها للمشاغبة والمماحكة، ولإحراج الإسلاميين ... لا أكثر .
ومن الله التوفيق